-->

الثانية باكالوريا:تقنية الحوار في رواية اللص والكلاب

الثانية باكالوريا:تقنية الحوار في رواية اللص والكلاب


الثانية باكالوريا:تقنية الحوار في رواية اللص والكلاب




تقنية الحوار في رواية اللص والكلاب

يحضر الحوار باعتباره لغة تواصلية إلى جانب السرد للتناوب على تقديم الوقائع وإجلاء المواقف والحقائق من زوايا مختلفة .والحوار في اللص والكلاب نوعان خارجي وداخلي
1- الحوار الخارجي :
نشأ هذا الحوار بين سعيد مهران وبقية الشخصيات باستثناء نبوية وغاب بين بعضها البعض .كما دار بين شبان سمعه سعيد وهو في مقهى طرزان حول الوضع المأساوي في المجتمع:
- المأساة الحقيقية هي أن عدونا هو صديقنا في الوقت نفسه.
- أبدا المأساة الحقيقية هي أن صديقنا هو عدونا.
- بل إننا جبناء ،لمَ لا نعترف بهذا ؟
- ربما ولكن كيف تتأتى لنا الشجاعة في هدا العصر ؟
- الشجاعة هي الشجاعة
- والموت هو الموت ..
فهذا الحوار يتقاسم فيه هؤلاء وجهة نظر سعيد حول واقعهم المزري – أي تنكر النظام العسكري للمبادئ ولوعود الإصلاح وتحقيق الرفاهية للطبقة الكادحة - وهذا يعني أن الشعب مع سعيد .فإذا كان هؤلاء جبناء عاجزين على تغيير الواقع فإن سعيد سيمثلهم وينوب عنهم ،لاستئصال خيانة المبادئ المتمثلة في شخص رؤوف والذي يرمز إلى النخبة المثقفة الثورية التي أتت بثورة الضباط الأحرار.
والملاحظ أن الحوار الخارجي قد اكتسى طابع المهادنة والنفاق الاجتماعي بين سعيد وبين من يمثلون الخيانة ،إذ لم يصرح بنواياه الحقيقية في الرغبة في تصفيتهم ولا بما يكنه لكل واحد منهم من حقد وبغضاء.فالمكاشفة قد تثنيه عن تحقيق أهدافه . إلا أن إخفاء سعيد لمشاعره وأفكاره سينعكس سلبا على نفسيته ويجعل منه شخصية مزدوجة .أما حواراته مع من يمثلون قيمة الوفاء (طرزان _ نور )فقد اكتست طابع التقدير وجلب المنفعة . في حين مع الشيخ الجنيدي يكشف الحوار عن غياب التواصل .يقول الشيخ لسعيد "لم يكن أبوك ليغلق عليه قولي أبدا " ص 134 أي كان أبوك يفهمني .يقول له سعيد" عقلي يتعذر عليه فهمك" ص 134و سبب اللا تواصل هذا يعود إلى اختلاف الأولويات بينهما فسعيد همه إيجاد حل لمشاكله الأسرية كتنكر سناء له والفرار من وطأة الخيانة والحصول على المال .يقول سعيد "الشيخ أعطاني فراشا فوق الحصيرة للنوم ولكني في حاجة إلى النقود " أما الشيخ فهمه الآخرة والتفكير فيما يراه أهم من عالم الناس .
وإذا كان سعيد لم يكشف عن نواياه لأعدائه فإن هؤلاء قد عبروا عن مواقفهم منه وهي مواقف تدور حول الشك في حسن نواياه والنفور منه والرغبة في إقصائه ،فالخفير حسب الله ما زال يرى سعيدا لصا ومنحرفا واتضح ذلك في تهكماته وسخريته منه ، ورؤوف عبر عن رفضه لصداقة سعيد ولمساعدته ."ولكن اليوم غير الأمس إذا عدت إلى اللصوصية فلن تكون إلا لصا فحسب ص 35ويقول له كذلك حينما طلب منه العمل معه في جريدته " لا وقت للمزاح أنت لم تمارس الكتابة قط وأنت خرجت أمس فقط من السجن وأنت تعبت وتضيع وقتي بلا طائل " ص 36 وهذا الموقف سيعمق إصرار سعيد على تصفية رؤوف لأنه هو من احل له سرقة الاغنياء ." هل امتدت يدك إلى السرقة حقا ؟برافو كي يتخفف المغتصبون من بعض ذنبهم إنه عمل مشروع ياسعيد لا شك في ذلك " ثم هو من بت فيه الأفكار الثورية وهيأه نفسيا وفكريا بتوجيهاته وكتبه ، ودربه على الرماية لمواجهة من اعتبرهم لصوصا حقيقيين " والسلاح تحصل عليه للجهاد لا للاغتيال .وراء هذه الهضبة التي تقوم عليها القهوة كان فتية يتدربون على القتال بثياب رثة وضمائر نقية وساكن القصر رقم 19 على رأسهم .يمرن ويلقي بالحكم .المسدس أهم من الرغيف ياسعيد مهران .المسدس أهم من حلقة الذكر التي تجري إليها وراء أبيك .وذات مساء سألك " سعييد . ماذا يحتاج الفتى في هذا الوطن ؟ " ثم أجاب غير منتظر جوابك إلى المسدس والكتاب .المسدس يتكفل بالماضي والكتاب للمستقبل تدرب واقرأ " وهذا ما طبقه سعيد . أوردت هذا المقطع رغم أنه من حوارات سعيد الداخلية لأوضح بجلاء أبرز أسباب حقد سعيد على رؤوف .
الحوار الداخلي (المونولوج).
يكتسح هذا الحوار جل فصول الرواية مما جعل بعض النقاد يصنف "اللص والكلاب "ضمن ما ينعت ب "تيار الوعي" .وقبل تعرف أشكال هذا الحوار يحسن بنا الوقوف عند هذا النمط الرولئي .
تعود التسمية إلى وليم جيمس في كتابه " مبادئ علم النفس " 1890حيث عرف الوعي بأنه سيل من الصور والاحاسيس والأفكار التي تصب بعضها في بعض وبكونه ليس شيئا واضحا ولامنطقيا .ويقوم هذا الحوار على الاستكشاف الداخلي لزمن الذاكرة وعلى الاستبطان والتداعي واستشراف المستقبل حيث تتداخل الأحداث والمشاعر والافكار وتمتزج الأزمنة وتختزل الطويلة منها في لحظات من الماضي والحاضر .وقد استثمره في البدابة هنري جيمس أخو وليم ثم برع فيه جيمس جويس وفيرجينيا وولف .ويعد نجيب محفوظ من الروائيين العرب الأوائل الذين جربوا هذا التيار في إبداعاتهم الروائية .مع ترجمة محمود الربيعي ل "تيارالوعي في الرواية الحديثة لروبرت همفري سنة 1973 ازدهر الاشتغال عليه عند جمال الغيطاني وعبد الرحمن منيف وصنع الله إبراهيم وغيرهم .وقد عرف محمود الربيعي هذا التيار بقوله هو "نوع من السرد الروائي يركز فيه الكاتب أساسا على ارتياد مستويات ما قبل الكلام من الوعي بهدف الكشف عن الكيان النفسي للشخصية الروائية من خلال مجموعة من التداعيات المركبة للخواطر عند هذه الشخصية .
ودون تعقيدات هذه التقنية الروائية استطاع نجيب أن يجعلنا وجها لوجه مع العالم الداخلي لسعيد مهران لأنه يحاور ذاته بشفافشة وبكل صدق ،لذا لمسنا نواياه الانتقامية وتعرفنا مشاعره الحاقدة الناقمة على من خانه في شرفه ومبادئه ،وعلى تطلعاته التفاؤلية في إرجاع الأمور إلى نصابها وخاصة استرجاع سناء .لقد قدم سعيد نفسه بنفسه بشكل صريح ،وقد اتخذ هذا الحوار طابع البوح والمناجاة الداخلية وهي المحاولات الأولى لتيار الوعي حيث تَحقق نوع ما الربط والوحدة بين الأفكار والمشاعر وقلت البعثرة .فعبر هذا البوح والمناجاة تعرفنا تاريخ سعيد وسيرته الذاتية منذ الطفولة وابرز المحطات الحاسمة في حيلته :تعرفه على نبوية وعليش و رؤوف علوان والذين سيكون لهم دور كبير فيما أضحى عليه من مشاكل اجتماعية ونفسية .
وإذا بحثنا في أشكال هذا الحوار الداخلي وجدنا ما يلي :
أ‌- التلازم الشيئي :
أي الترابطية التي تستدعي أشياء متجاورة .فسعيد يستذكر الماضي ويستحضره وهو يشاهد أشياء من الحاضر .الحي يذكره بالخيانة والوشاية .والشيخ علي يذكره بالطفولة ورؤوف يذكره بطاقة وحماس الشباب الحريص على المبادئ .
ب‌- المقارنة: يقارن سعيد بين ماضيه مع أعدائه وحاضره . وهذه المقارنة أوصلته إلى أنهم أصبحوا خونة متنكرين للقيم والأخلاق والمبادئ .
ج - المونولوج الداخلي: ويكون بين الواقعي والمتداعي خاصة في حالة الشعور بالقهر والإحباط والخوف وهذا النوع هو المهيمن في الرواية وقد ورد بثلاث طرق هي :
1- الطريقة الأولى:يتخيل فيها سعيد نفسه مواجها لخصومه فيخاطبهم مستعملا ضمير أنت وكاف الخطاب " أنسيت ياعليش كيف كنت تتمسح في ساقي كالكلب ؟" "ترى كيف أنت اليوم يارؤوف ؟هل تغير مثلك يانبوية ؟هل ينكرني مثلك يا سناء ؟ "
2- الطريقة الثانية: يقدم فيها سعيد بعضا من سيرته الذاتية مستعملا ضمير المتكلم " ها هو أبي يسمع ويهز رأسه طربا .ويرمقني باسما كأنما يقول لي اسمع وتعلم .وانأ سعيد وأود غفلة لأتسلق النخلة أو أرمي طوبة لأسقط بلحة ..ومع العودة ذات مساء إلى بيت الطلبة بالجيزة رايتها مقبلة تحمل سلة .جميلة وجذابة طاوية هيكلها على جميع ما قدر لي من هناء الجنة وعذاب الجحيم " ص 26
3- الطريقة الثالثة: يحاور سعيد نفسه بصوتين :صوت يستعمل ضمير المتكلم وصوت يستعمل ضمير المخاطب .وكأن هذا الحوار يدور بين شخصين داخل سعيد أحدهما حذر ويقظ يفكر بالعقل وفي العواقب وثانيهما مندفع متهور يغلب عليه الانفعال وتحكمه العواطف .ومن نماذج الصوت الحذر "اقطع لسانك قبل أن يخونك ويعترف .أنت تود ان تعترف له بكل شيء ولعله ليس في حاجة إلى ذلك .لعله رآك وأنت تطلق النار لعله يرى أكثر من ذلك" ص 69يقصد علي الجنيدي ."اذهب إلى الجبل في مهبط الظلام ..تحاش الضوء ولذ بالظلام " نموذج لتناوب ضمير المخاطب وضمير المتكلم في نفسية سعيد :"هل تصورت يوما أن يقتلك إنسان لا تعرفه ولا يعرفك؟..وأنأ القاتل لا أفهم شيئا ولا الشيخ علي الجنيدي نفسه يستطيع أن يفهم .أردت أن أحل جانبا من اللغز فكشفت عن لغز أغمض " ص 71
د - الحلم :يكشف الحلم عادة هواجس الإنسان ومشاغله .وفي إطار تيار الوعي يحضر الحلم في الرواية وسعيد نائم عند الشيخ الجنيدي بعدما قتل خطا شعبان حسين بدل عليش وبعدما قرر تصفية رؤوف علوان .يقول سعيد وهو يحلم "اقتلني إذا شئت ولكن ابنتي بريئة ولم تكن هي التي جلدتك بالسوط وإنما أمها أمها نبويه وبإيعاز من عليش سدرة " فهذا الحلم يكشف هواجس سعيد إذ يشكل هذا الثلاثي ( رؤوف – عليش – نبوية ) مصدر معاناته وابرز أعدائه .
يتضح مما سبق أن الحوار الداخلي كسر سلطة وهيمنة الراوي التقليدي العالم بكل شيء فصمته عن السرد في هذه الرواية سمح لنا بالاقتراب أكثر من دواخل شخصية سعيد عبر مونولوجاته .فتعرفنا ماضيه البائس وطبيعة علاقاته بمحيطه وعن خصوصياته النفسية والفكرية بل جعلنا نجيب نتعاطف معه رغم انحرافه باللصوصية والقتل إذ عرفنا بميولاته ودوافعه التي باتت تشفع له إقدامه على الانتقام ،سواء تعلق الأمر بالخيانة الشخصية مع نبوية وعليش أو بالخيانة العامة للمبادئ مع رؤوف الذي نعته سعيد ب "الخائن الرفيع الممتاز "ص61.