-->

الثانية باكالوريا الفلسفة مجزوءة الوضع البشري درس التاريخ

الثانية باكالوريا الفلسفة مجزوءة الوضع البشري درس التاريخ

 
الثانية باكالوريا الفلسفة مجزوءة الوضع البشري درس التاريخ

محاور الدرس


1) المعرفة التاريخية.

2) التاريخ و فكرة التقدم.

3) دور الإنسان في التاريخ.

تقديم:

 ما التاريخ؟ لقد حدده ابن خلدون بأنه جزء من الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم، وما يعرض بطبيعة ذلك العمران من الأحوال مثل التوحش و التأنس و العصبيات و أصناف التقلبات للبشر بعضهم على إلى بعض، وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكتب والمعاش والعلوم والصنائع وسائر ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من الأحوال. (مقدمة ابن خلدون)


وانطلاقا من هذا التحديد يتضح، أن التاريخ يشكل ذاكرة الإنسانية التي تختزل أفكارها و انجازاتها ونشاطاتها، ويهتم أيضا بدراسة ماضيها من خلال مجتمع ما أو حضارة ما، حيث يعمل على تسليط الضوء على ذلك الجانب المظلم في حياة الكائن البشري ألا وهو الماضي.

ولعل هذا ما دفع بالمهتمين بالتاريخ إلى إعطاء أهمية قصوى للماضي باعتباره شرطا أساسيا لفهم الحاضر و أرضية انطلاقا أيضا من أجل تصور المستقبل، ليتضح من خلال ذلك أن مفهوم التاريخ غالبا ما يتم ربطه بمفهوم الزمن حيث لا يمكن تصور التاريخ إلا في العلاقة بالأزمنة الثلاثة : الماضي والحاضر ثم المستقبل.

كما أن مفهوم التاريخ يختلف عن مجموعة من المفاهيم القريبة منه مثل التأريخ وفلسفة التاريخ، فإذا كان التاريخ هو علم بحقيقة الأحداث الماضية فإن التأريخ هو عملية يقوم بها المؤرخ من أجل تسجيل و رصد الأحداث التي يعيشها.

وكما أن التاريخ يختلف عن التأريخ، فإن هذين الأخيرين يختلفان عن فلسفة التاريخ. فرق لتحديده بدقة يجب الوقوف على مهمة كل من المؤرخ والفيلسوف بالرغم من انخراطهما في سؤال الغاية من كتابة التاريخ، نجد الفيلسوف سيعود على البحث عن هدف أو غاية التاريخ من خلال تحديد العوامل الأساسية المؤثرة في سير الوقائع التاريخية. باعتباره (التاريخ) شكل ماهية الإنسان وهو الذي يميزه عن الكائنات الأخرى الإنسان كائن تاريخي).

بينما نجد المؤرخ يتعامل مع التاريخ باعتباره تحقيق وسرد لما جرى فعلا في الماضي. (النص عبد الله العروي مقرر الرحاب ص46)

وعلى ضوء ذلك اعتبر عبد الله العروي الفيلسوف هو عاشق الحقيقة الدائمة. بينما المؤرخ هوراوي الحدث  العابر فهما يتعارضان و يتكاملان باستمرار .لكن أين يتجلى الاختلاف بين المؤرخ و الفيلسوف  في التعاطي مع المعرفة التاريخية؟وكيف تبنى  تلك المعرفة  ؟ وهل التاريخ ثابت و مستقر أم  تحكه دينامية التقدم؟ و هل للإنسان دور في التاريخ؟هل يمكن أن نعتبره صانعا للتاريخ؟



 1- المعرفة التاريخية


 إن التطرق لموضوع المعرفة  التاريخية يثير إشكالا منهجيا يتعلق بالماضي الذي انقضى  وولى و التعامل معه في الوقت ذاته كموضوع للمعرفة، و من ثمة فكيف يمكن الحكم على المعرفة التاريخية؟.

  يؤكد ريمون أرون على أن المعرفة التاريخية  هي معرفة نسبية. لأنها لا يمكن أن تدرك الماضي بصفة نهائية مادام أنه لاوجود  لماض خالص، فكل ماضي هو ماض مستحضر ومعرفته لا تتأتى إلا عبر البحث و التنقيب و التحقيق. كما أن المعرفة التلقائية التي نعرفها بطريقة مباشرة  هي سمة أساسية لواقعنا الذي نعيش فيه، بحكم أننا نفهم جميع دلالاته. في حين أن المجتمعات التي عاشت قبلنا لا يتسنى لنا أن نعرف دلالاتها دون توسط منهج المؤرخ  و بدلك تنعدم شروط المعرفة  التلقائية بها . بالإضافة إلى كون تجربتنا في الماضي لايمكن أن تكون هي تجربتنا في الحاضر. وانطلاقا من دلك  فالمعرفة هي إعادة  بناء لما كان موجودا  ولم يعد وهي عملية تخص زمانا و مكانا محددين. (نص رقم 2 ص48 من مقرر الرحاب)

 أما بالنسبة لبول ريكور  فالاعتماد على الآثار والوثائق الخاضعة للمساءلة والاستنطاق  من طرف المؤرخ تعتبر موقفا موضوعيا وعملا منهجيا يجعل من الأثر التاريخي وثيقة دالة, يصبح من خلالها المؤرخ ممتلكا للقدرة على بناء الوقائع التاريخية بالاعتماد على الوثائق والملاحظة المنهجية. ومن هنا فالواقعة التاريخية لا تختلف عن الواقعة العلمية وهنا تكمن الموضوعية كنتيجة للممارسة المنهجية (نص رقم 1 ص 47 من مقرر الرحاب ).

و انطلاقا مما سبق هل يمكن الاعتماد على المعرفة التاريخية كشرط لفهم الحاضر وتصور المستقبل ؟

ينطلق ماكس فيبر (1864 – 1920) من نقطة أساسية تعتبر كمدخل من أجل التعاطي مع المعرفة التاريخية كمؤشر لتصور مستقبل الإنسانية. فالواقع الإمبريقي  ( التجريبي ) يتميز باللامحدودية  بحكم كثافته ولا نهائيته, فلذلك لا يمكن لأية عدة منهجية أن تشمل ذلك الواقع في كليته.

إن المؤرخ لا يمكن أن يتأتى له معرفة الماضي بصفة نهائية, ذلك أن الأسباب التي يعتمدها لتفسير الواقعة التاريخية ستبقى منتقاة انطلاقا من علاقة المؤرخ بالقيم. كما أن السببية التاريخية بالنسبة لماكس فيبر هي سببية تحليلية, متفردة وجزئية احتمالية, ويبقى العمل المنهجي للمؤرخ محددا لهذه المعرفة

.  

2- التاريخ وفكرة التقدم:


 هل منطق التاريخ يحكمه التقدم أم التكرار؟ هل هو تقدم محكوم بحتمية معينة أم أنه يسير بشكل تلقائي؟ لقد قال هيغل : " إن كل ما هو عقلي فهو واقعي وكل ما هو واقعي فهو عقلي ". فالواقع في كليته معقول, لأنه ليس شيئا آخر سوى العقل متجسدا أو حالا في روح هذا الشعب أو ذلك من الشعوب التي عرفها التاريخ. فحركة التاريخ هي حركة متصاعدة ومتقدمة نحو الوعي المطلق الذي يتحقق دون وعي البشر وذلك حسب إيقاع ديالكتيكي يقع على مستوى الأفكار انطلاقا من الأطروحة (الوجود المطلق) إلى نقيضها (اللاوجود أو العدم) وصولا إلى التركيب ( الصيرورة ). وهذه هي النقطة التي سوف ينطلق منها كارل ماركس في انتقاده للصيرورة الهيجيلية المثالية والمجردة. وبذلك سيرفض ماركس ما اعتقده هيجل تفسير عقلاني للتاريخ. فأنزل دلك  الجدل الذي اعتمده هيجل على مستوى الأفكار إلى أرض الواقع, ليصبح التاريخ هو تاريخ الإنسان العامل والمنتج وليس تاريخا يستعرض مراحل تطور الأفكار. ومن ثمة فالتفسير العقلاني العلمي والجدلي للتاريخ يجب أن يطلب في الواقع الاقتصادي أو ما يسميه ماركس بالبنية التحتية والتي تتألف من :  

1/ قوى الإنتاج : مجموع الأدوات والوسائل التي ينتج بها الإنسان ما يحتاج إليه (العمال, الآلات, الأرض.....).

2/ علاقات الإنتاج : العلاقات التي تربط بين الناس أثناء عملية الإنتاج المادي.

3/ نمط الإنتاج : مجموع علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج.

ويرى ماركس أن التغير الذي يطرأ على قوى الإنتاج يصطدم غالبا بعلاقات الإنتاج التي لا تستوعب في بداية الأمر التغير الذي حصل على مستوى قوى الإنتاج.

ومن هنا يولد التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج والذي يتولد عليه بشكل جدلي " الصراع الطبقي " الذي يعتبره كارل ماركس بمثابة المحرك الأساسي للتاريخ.

وما يطرأ من تغيرات على مستوى البنية التحتية ينعكس على البنية الفوقية  التي يدخل فيها كارل ماركس كل أشكال الوعي المختلفة, مثل الوعي الديني والأسطوري والفلسفي والفني والسياسي والقانوني...

ويميز ماركس بين التغير الذي يقع على مستوى البنية التحتية الذي يتم بسرعة بالمقارنة مع التغير الذي يقع على مستوى البنية الفوقية. حيث لا يمكن تحديده بالدقة التي يمكن تحديده بها على مستوى البنية التحتية. ويسمى هذا التغير الذي يربط بين التغير في الأفكار و الفلسفات من جهة, وفي السياسة من جهة أخرى, وبما يطرأ من تغيير في الواقع الاقتصادي والاجتماعي بالتفسير المادي للتاريخ والدي يخالف التفسير المثالي كما كان لدى هيغل. ( نص ماركس رقم 3 ص 49 الرحاب)

إذن فالتاريخ البشري محكوم بتقدم هو في حقيقته تتال لأنماط إنتاج تفهم باعتبارها مراحل تقود إلى بعضها البعض عبر النفي انطلاقا من قوانين الجدل التي تحكم الطبيعة والمجتمع والإنسان.

لكن إذا كان التاريخ قد اتخذ شكلا تقدميا في البنية الغربية هل ينطبق ذلك على جميع البني الأخرى؟

يرى كلود ليفي شتراوس أنه إذا أردنا أن نفهم الظواهر الاجتماعية سواء الخاصة بالشعوب المسماة بالبدائية  أوالمتحضرة، علينا أن نطرح المنهج التاريخي جانبا، الذي يقوم بدراسة ماضي الظواهر وانطلاقا منها يحاول تفسير الحاضر. وطرح كبديل عن ذلك انطلاقا من منهجه البنيوي ما يسمى بالدراسة الاستاتيكية السانكرونية وهي دراسة تهتم بدراسة بنية ثقافية معينة دون إيلاء اهتمام لماضيها أو وظيفتها.

وانطلاقا من ذلك يرى ليفي شتراوس أن هناك عنصرا مشتركا بين جميع البشر ألا وهو " اللاشعور البنيوي " باعتباره  لا زماني ولا شخصي ولا سيكولوجي ولا اجتماعي بل هو عام وسابق عن مختلف العوامل الأخرى.

والتاريخ ماهو إلا تجل واستعراض للاشعور البنيوي في أشكال ومظاهر متنوعة، كما أنه خفي وغير معطى مباشرة في الأنظمة الاجتماعية والثقافية. وبذلك سوف يعتبر البنيويون النزعة التاريخية بمثابة عائق ابستمولوجي مادام أنه لكل بنية استقلالها الخاص عن بقية البنى. فلذلك لا يمكن لجميع البنى أن يحكمها نفس المسار التاريخي.

 لذلك ذهب ميشال فوكو إلى القول بأن البنيوية سجلت نهاية التاريخ, واعتبر بياجي تصورها للثقافة قد انتهى إلى موقف أفلاطوني في تصوره للمثل والجواهر الثابتة الخالدة والمفصولة عن المحسوس والواقع الذي ما هو إلا شبح وظل لعالم المثل.



دور الإنسان في التاريخ :


 إن التساؤل عن دور الإنسان في التاريخ هو استمرار للتساؤل حول منطق التاريخ.  فهل يمكن اعتبار الإنسان بالفعل هو صانع التاريخ ؟

بالنسبة لهيغل كما تطرقنا لذلك سابقا فهو يعتبر أن التطور هو تطور الفكرة التي تنطلق من البسيط إلى المعقد, ومن المجرد إلى العيني عن طريق صيرورة تقودها حسب منطق التطور. هذه الفكرة تتحقق على يد أولئك الذين يدركون الروح المطلقة كمبدأ عقلي يتجسد في التاريخ، وتدرك حقيقته عبر الفن والدين و السياسة. وهؤلاء هم الذين يسميهم هيغل بعظماء التاريخ فدورهم في التاريخ هو تطبيق لفكرة وجدت قبل تواجدهم. ( نص هيغل رقم 5 ص 51 مقرر الرحاب )

وهذا ما جعل ماركس ينطلق حيث انتهى هيغل. فالإنسان بالنسبة لماركس هو صانع التاريخ عبر فلسفة البراكسيس ( الفلسفة العملية ) التي تتجلى من خلال الصراع الطبقي المحرك الجوهري للتاريخ

 ذلك ما سوف يعترض عليه ميرلوبونتي الذي حافظ على مسافة نقدية مع الماركسية في تصورها للتاريخ حيث يصبح الإنسان منفذا لبرنامج محدد سلفا.

كما أن ربط ماركس للتغير الإيديولوجي بتغير يلحق البنية التحتية جعل ميرلوبونتي يفتح إمكانية حدوث نضج  إيديولوجي فجأة دون تهيئ للشروط الموضوعية كما أن عرضية التاريخ يمكن أن تجعل جدليته تنحرف عن الأهداف التي اختارتها لنفسها، فلا تحل بذلك المشاكل التي تطرحها. ( نص 4 ميرلوبونتي ص 50 مقرر الرحاب ).

أما بالنسبة لجون بول سارتر فينطلق من الرسالة التي عرضها فريدريك انجلز (1820 – 1895 ) على ماركس والتي يقول فيها " إن الناس يصنعون تاريخهم بأنفسهم ولكن في وضع محدد يشرطهم ".  متسائلا حول ما إذا كان التاريخ هو الذي يصنع الإنسان .إذن كيف يمكن أن نفهم أن الإنسان هو صانع التاريخ ؟

فالإنسان يكون في عهد الاستغلال نتاج منتوجه الخاص وفاعلا تاريخيا لا يمكن اعتباره منتوجا . هذا التناقض لا يعتبره سارتر تابتا بل ينبغي فهمه في سياق حركة البراكسيس أي الممارسة. وهذا هو ما سيضيء جملة انجلز حسب سارتر،التي يقول فيها إن الناس يصنعون تاريخهم وليست الشروط الموضوعية السابقة هي التي تصنع التاريخ.

 ومن ثمة فإن سارتر يركز بشكل قوي على الإمكانية المعطاة سلفا للإنجاز ليتجاوز الإنسان وضعه لتحقيق مشروعه داخل حقل الممكنات الذي يعتبر هو مجموع الاحتمالات المتاحة أمام الإنسان بشكل موضوعي وذاتي يختار واحدة منها حسب وعيه وظروفه.

وبهذا المعنى يصبح الإنسان فاعلا تاريخيا وصانعا له بالمعنى الوجودي والتاريخي وليس بالمعنى الماركسي. ( نص 6 ص 52 مقرر الرحاب ).