-->

نص سيغموند فرويد الشعور واللاشعور

 نص سيغموند فرويد الشعور واللاشعور

تعريف سيغموند فرويد:

سيغموند فرويد (1850-1936) طبيب نمساوي، اهتم في بداية حياته العلمية بعلاج الهستيريا بواسطة التنويم المغناطيسي، وهو العمل الذي قاده، فيما بعد، إلى وضع فرضية اللاشعور كفرضية “علمية” تسمح بتفسير الظواهر النفسية والثقافية. من أعماله: “حياتي والتحليل النفسي” و”تفسير الأحلام”.

نص سيغموند فرويد: الشعور واللاشعور

معاينة تحليل النص


إن من الجوهري أن لا نبالغ في تقدير خاصية الشعور قبل أن يصبح في مستطاعنا أن نكون أي رأي صحيح في نشأة ما هو نفسي. ومن الواجب أن نفترض أن اللاشعور هو الأساس العام للحياة النفسية. فاللاشعور هو أوسع منطقة التي تضم بين جوانبها منطقة الشعور التي هي أضيق نطاقا… فاللاشعور هو الواقع النفسي الحقيقي، وهو في طبيعته الباطنة مجهول عندنا، نجهله قدر جهلنا بحقيقة العالم الخارجي، كما أنه لا يمثل لنا بواسلة معطيات الشعور إلا مثولا ناقصا على نحو ما يمثل العالم الخارجي بواسطة رسائل أعضائنا الحسية.

فأما وقد تقلص التقابل القديم بين الحياة الشعورية و حياة الحلم إلى أبعاده الصحيحة، بإثبات الوجود النفسي اللاشعوري، فإن عددا من مشكلات الحلم التي كانت تستغرق من الكتاب السابقين اهتماما عميقا، يفقد الآن كل قيمته: مثال ذلك بعض الأفعال التي كان النجاح في أدائها في الحلم مثارة للعجب: إننا لن نعزوها، بعد الآن، إلى الحلم ذاته، بل إلى التفكير اللاشعوري الذي يعمل أيضا في النهار مثلما يعمل في الليل. وإذا بدا أن الحلم يلهو بتصوير الجسد تصويرا رمزيا، فنحن نعلم، أن هذه التصويرات نتاج صَدَرَ عن تخييلات لا شعورية معينة تتفرع، في الراجح، عن اندفاعات جنسية، ولا تفصح عن نفسها في الأحلام وحدها بل في المخاوف الهستيرية وغيرها من الأمراض كذلك. وإذا واصل الحلم أعمال النهار وأتمها… فكل ما نحتاج إليه هو أن ننزع هنا قناع الحلم الذي هو نتيجة عمل الحلم … إن لهذا النشاط الشعوري ميزة كثيراً ما ضللتنا: فهو حيثما أدلى بدلوه أخفى علينا كل نشاط سواه.

سيغموند فرويد ، تفسير الأحلام ، ترجمة مصطفى صفوان ، دار المعارف بمصر، بدون تاريخ، صفحات 594-595 ( بتصرف

أولا: تحليل نص سيغموند فرويد

 معاينة نص فرويد

تأطير نص سيغموند فرويد:

 يدخل النص ضمن الكتابات السيكولوجية، ويعود لعالم النفس، ومؤسس اتجاه علم النفس التحليلي، النمساوى سيغموند فرويد، مؤلف “تفسير الأحلام”، و”قلق في الحضارة“

إشكال النص:

ما أساس الحياة النفسية للفرد هل هو الشعور أم اللاشعور؟

أطروحة النص:

يؤكد عالم النفس سيغموند فرويد في هذا النص أن أساس الحياة النفسية للفرد هو اللاشعور.

تحليل الأطروحة:

1- التحليل المفاهيمي للأطروحة


تتشكل الأطروحة خاصة والنص عموما من بنية مفاهيمية وجب الوقوف عندها لفهم وتحليل موقف صاحب النص، إضافة إلى مفاهيم أخرى أساسية يتضمنها النص، ولعل أبرز تلك المفاهيم ما يلي:

اللاشعور: يأتي في مقابل الشعور، ويدل على تلك الدوافع والميولات التي تم كبحها ولم يتم تحقيقها، وينظر إليه فرويد باعتباره الأساس العام للحياة النفسية، وأوسع منطقة التي تضم بين جوانبها منطقة الشعور

الشعور: يدل على ذلك الجانب الواعي من العمليات العقلية والسيكولوجية.

المخاوف الهستيرية: اضطرابات نفسية عصابية تعبر عن علاقات اضطراب في شخصية الفرد وهي تعبيرات جسدية.

الحلم: تصوير رمزي للجسد، ناتج عن تخيلات لاشعورية.

2- التحليل الحجاجي للأطروحة وللنص:


يتشكل النص من بنية حجاجية وجب الوقوف عندها لفهم منطق النص ولتثمينه أو نقده، وهذه البنية هي ما سنوضحه عبر ما يلي:

الدحض والنقد: دحض ونقد المواقف التي بالغت في تقدير خاصية الشعور مقابل خاصية اللاشعور.

الافتراض: افتراض أن اللاشعور هو الأساس العام للحياة النفسية.

العرض والتفسير: تفسيره لموقفه القائل بكون اللاشعور هو الأساس العام للحياة النفسية بقوله أن اللاشعور هو أوسع منطقة والتي تضم إلى جانبها منطقة الشعور التي هي أضيق نطاقا.

المثال: حيث استحضر مثال الحلم لإثبات الوجود النفسي اللاشعوري، وكيف أن الحلم يرتبط بالتفكير اللاشعوري.

المثال: حيث استحضر مثال المخاوف الهستيرية كمثال للحياة النفسية، وكيف أنها ترتبط بالتفكير اللاشعوري

خلاصة موقف سيغموند فرويد

يتضح بعد تحليل نص سيغموند فرويد أن هذا الأخير  يؤكد أن اللاشعور هو أساس الحياة النفسية للفرد، وأنه أوسع نطاقا، بينما لا يشكل الشعور إلا الجزء الضئيل منها. وقد وقف سيغموند فرويد عند مجموعة من الأمثلة  وخاصة منها المتعلقة بالحياة النفسية، كمثال الحلم في شقيه الواعي (أحلام النوم) واللاواعي (أحلام اليقظة) ومثال المخاوف الهستيرية، وذلك ليبين كيف أن الذات الإنسانية خاضعة لبنيات لاشعورية هي التي توجهها وتتحكم فيها وتوجهها.

ثانيا: مناقشة نص وموقف سيغموند فرويد:

قيمة وحدود موقف سيغموند فرويد

لقد شكل موقف سيغموند فرويد ونظريته في اللاشعور نقلة نوعية وخاصة في تاريخ علم النفس، حيث يعود له الفضل في إرساء مفهوم اللاشعور، وأيضا في تأسيس علم النفس التحليلي. إضافة إلى ذلك فموقفه له قيمته الفكرية حيث حاول جاهدا إعادة الإعتبار للحياة الباطنية للانسان، وأيضا، فموقفه ذو بعد حقوقي، حيث أصبحنا ندرك كيف أن مكان المجانين والحمقى ليس هو السجن، وإنما المصحات النفسية.

لكن الإقرار بالقيمة الفلسفية أو الفكرية أو الحقوقية لا يمنعنا من المساءلة النقدية لتصور فرويد، وهو الأمر الذي يستقيم ومبادئ التفكير الفلسفي كتساؤل ونقد. وهنا يمكن أن نقول، أن من بين ما يعاب على نظرية اللاشعور هو نظرتها للذات الإنسان على أنها ذات مشطورة إلى شطرين، وأيضا إرجاعها كل السلوكات الإنسانية إلى الرغبات والدوافع الغريزية المكبوتة، إضافة إلا مبالغته وتضخيمه للدافع الجنسي أو ما يسميه بالطاقة الليبيدية، فنجده مثلا يقول أن مص الطفل لثدي أمه هو من أجل اللذة وليس من أجل التغذية، وهذا القول يجعل من الإنسان مجرد حيوان مدفوع برغباته ومكبوتاته.  ويمكن أن نعرض لموقف آلان (إميل شارتيي) كواحد من المواقف التي انتقدت نظرية اللاشعور.

موقف آلان (إميل شارتيي)

معاينة نص آلان

 

في كتابه مبادئ الفلسفة، ذهب الفيلسوف الفرنسي آلان إلى نقد نظرية اللاشعور الفرويدية (نسبة إلى فرويد)، مؤكدا أن هذه الأخيرة قد ارتكبت جملة من الأخطاء، وخاصة في محاولتها لتفسير السلوك الإنساني. ففي كتابه المذكور، أكد أن نظرية اللاشعور تجعلنا نعتقد في وجود أنا آخر، أنا غير هذا الأنا الذي ندركه ونعيه، أي أنا آخر له أهواؤه وحيله… لكن الأمر ليس كذلك؛ فالذات هي عبارة عن وحدة كلية لا تنقسم إلى شطرين، وهذه الذات هي الذات الفاعلة، أي الشخص المتكلم. وفي ذات السياق، يقدم آلان مثالا يمكن من خلاله نقد نظرية اللاشعور، وهو مثال الخوف، مؤكد  أن القول بكون الخوف مرتبط بما هو لا شعوري يجعل الطبيعة الإنسانية لا شعورية بقدر ما تكون الغريزية لا شعورية، لكن الغريزة ليس كذلك. ولمزيد من التوضيح، توضيح نقد ألان لفرويد، يمكن استحضار قول آلان التالي: “اللأوعي هو احتقار للأنا وعبادة للجسد”، وقوله: “الفرويدية الذائعة الصيت هي فن اختراع حيوان مخيف داخل كل إنسان من خلال علامات عادية“،

خلاصة تركيبية لمحور الوعي واللاوعي:

لقد شكل الوعي في علاقته باللاوعي إشكالا ومأزقا فلسفيا وسيكولوجيا، وخاصة فيما يتعلق بالأولية والقوة. وبخصوص تلك الإشكالات نجد أن هناك من يؤكد على أهمية وأولوية وقوة وسلطة اللاوعي/اللاشعور، نذكر على سبيل المثال لا الحصر عالم النفس سيغموند فرويد. كما نجد أن هناك من يؤكد على كون الذات هي ذات واحدة غير منشطرة إلى شطرين شعوري ولاشعوري، وعي ولاوعي. وأن وهذه الذات هي الفاعلة، أي الشخص المتكلم. هذا الموقف الأخير يؤكده الفيلسوف الفرنسي آلان. وسواء قلنا بأولية الوعي أو بأولوية اللاوعي، فلهذا الإشكال قيمته، والتي تكمن في دفعنا لمحاولة تفسير السلوك الإنساني، والبحث في ماهية الأنسان، وأيضا في كون هذا الإشكال يفتحنا على إشكالات أخرى من بينها إشكال حرية الإنسان، إشكال طبيعة الإنسان، إشكال هوية الإنسان، إضافة إلى إشكال علاقة الوعي بالواقع والذي يكن أن نعبر عنه بالشكل الآتي: إذن: ما طبيعة العلاقة بين  الوعي و الواقع؟ هل هي علاقة مطابقة وتماهي أم هي علاقة تزييف وتشويه؟  هل الوعي هو وعي حق بالواقع أم هو وعي مشوه؟