-->

يمكن اختبار علمية نظرية ما بواسطة التجربة، غير أن طريق التجربة لا يقودنا إلى إبداع النظرية

« يمكن اختبار علمية نظرية ما بواسطة التجربة، غير أن طريق التجربة لا يقودنا إلى إبداع النظرية.»

المقدمة:

تندرج القولة الماثلة بين أيدينا ضمن مجزوءة المعرفة وبالضبط ضمن محورين أساسيين يناقشان دور التجربة في بناء النظرية والمعايير التي تجعل من هده النظريات تتمتع بصفة العلمية حيثيعبرالمحوران عن إشكالين فلسفيين معقدين أثاراجدالا و نقاشاعميقا بين الفلاسفة والمفكرين نظرا لإختلاف مواقفهم الناتجة عن طريقة تفكيرهم من زاويتهم الخاصة مما خلق اختلافا بين تصوراتهم.
في سعي الإنسان لفهم العالم الدي يعيش فيه وبعد عدة محاولات وإخفاقات شتى من أجل التوجه نحو المعرفة التي مثلت تحديا يصعب هزمه , قام الإنسان بمجهودات فكرية متواصلة و أبحاث وتجارب تمت صياغتها على شكل نظريات علمية دقيقة و مجردة من أجل فهم الظواهر الطبيعية ووصفها وتفسيرها والتنبؤ بها إما بإعتماد التجريب أو العقل,فما دور التجربة في بناء النظرية العلمية ؟ هل التجربة وحدها كافية لبناء نطرية علمية ؟أليس من الممكن بناء نظرية علمية بالإعتماد على العقل فقط؟ أم أن التجربة والعقل معا يساهمان في بناء النظرية العلمية؟ وما هي المعايير التي تجعل من نظرية ما نظرية علمية؟ إنها إشكالات جوهرية قام الفلاسفة والمفكرون بالإجابة عنها بتقديم أطروحاتهم والدفاع عنها.

العرض:

من خلال تمعننا في هذه القولة يتضح أنها تنبني على أطروحة أساسية تعتبر أن التجربة والتي تدل على اللحظة المنهجية التي يتم فيها الاختبار و التأكد من الفرضيات غير كافية لإبداع النظرية بإعتبارها مجموعة من القوانين والأطروحات المتناسقة والمتكاملة حيث يعتبر صاحب القولة أن التجربة وبما أنها عملية مرتبطة بالواقع فهي لا يمكن أن تبني النظرية لأن هذه الأخيرة تمثل كل ما هو تأملي ومعزول عن الواقع ويناقض التجربة,غير أن صاحب القولة لا يجعل التجربة شيئا ليس ذي أهمية فإن كانت التجربة غير قادرة على بناء نظرية ما فهي التي تتحكم في مصداقية النظرية و هي التي تجعلها تتمتع بصفة العلمية أي بالدقة والضبط والمنطق فالنظرية العلمية عند إخضاعها للتجربة تصمد أمامها وتبرز قوتها وهذا ما يعطيها صفة العلميةحسب صاحب القولة.
وهذا ما يذهب إليه تويليي إذ يعتبر أن النظرية التي لا تصمد أمام الإختبار التجريبي لا يمكن اعتبارها علمية إذ يعتبر أن التجربة هي التي تؤكد أو تلغي فرضية ما وبالتالي فلا يمكن الوثوق من نظرية ما دون اختبارها عن طريق التجربة ويشترط تويليي ضرورة خضوع النظرية لأكثر من إختبار واحد وتنويع الإختبارات والمقارنة بينها للحكم على النظرية بأنها علمية وتتمتع بالتماسك المنطقي .
والتماسك المنطقي هو أساس النظرية وحسب صاحب القولة فالتجربة لا تمدنا بهذا التماسك وبذلك فهي لا يمكن أن تبني النظرية وهذا ما يؤكده إينشتاين إذ لا يعطي أهمية كبرى للتجربة في بناء النظرية العلمية بل يرى أن العقل هو الذي يضع المبادئ الأولى للنظرية فهو يحدد المفاهيم وينتج الأفكار ويصوغ القوانين ويربط منطقيا بين القضايا,إنه يقومببناء رياضي عقلي خالص.
لكن هل هاته المواقف تحظى بإجماع كل الفلاسفة ؟ ألا يمكن بناء النظرية بواسظة التجربة ؟ ألا يمكن لنظرية أن تكون علمية من دون التحقق منها تجريبيا ؟
إذا كان صاحب القولة و إينشتاين يؤكدان أن التجربة لا تبدع النظرية فإن كلود برنار يرى عكس ذلك إذ يعتبر أن التجربة لها دور كبير في تكوين النظرية بإعتبارها عملية إعادة بناء الواقعة وفق شروط دقيقة هي أساس المنهج التجريبي و ذلك عبر الإنطلاق من التجربة مرورا بالمقارنة و انتهاءا بالحكم فهذا المنهج هو جوهر المعرفة العلمية لأنه يمكن من إدراك العلاقات بين الظواهر والإعتماد عليه يؤدي إلى استنباط الأحكام والقوانين .
والأحكام والقوانين هي التي تكون النظرية لكن يبقى السؤال هل هي علمية فإن كان كل من صاحب القولة و تويليي يؤكدان أنه بواسطة التجربة يتم اختبار علمية النظرية فإن دوهيم يعارض هذه الفكرة ويعتبر أن معيار التأكد من صدق نظرية ما ومن مدى علميتها لا يكمن في الإختبار التجريبي بل في التماسك المنطقي والانسجام الذي يوجد بين المبادئ التي يتم الانطلاق منها وبين النتائج التي يتم التوصل إليها,لأن النظرية العلمية حسب دوهيم هي نسق من القضايا الرياضية التي لا يوجد تناقض بينها.
نرى أن كلا من صاحب القولة وإنشتاين يعطيان قيمة كبرى للعقل في بناء النظرية لأن العقل حسبهما يجعل النظرية تتمتع بالتماسك المنطقي والتناسق بين القوانين المكونة للنظرية لكن كلود برنار لا يتفق معهما إد يعتبر أن التجربة كافية في بناء النظرية إدا ما اعتمدنا على المنهج التجريبي بكل مراحله.
لكن بناء النظرية يبقى غير كاف إد لا بد من التأكد من مصداقيتها فإن كان كل من صاحب القولة و تويليي يؤكدان على ضرورة خضوع النظرية للتجربة أو ما يسمى بالاختبار التجريبي فصمودها أمام هدا الأخير يثبت علميتها لكن خلافا لدلك فإن دوهيم يرى أن التماسك والتناسق بين القوانين المكونة للنظرية كاف لجعلها تتصف بالمصداقية والعلمية.

خاتمة:

يبقى الإنسان دائما في حاجة للعلم لأنه يفيده في تفسير الظواهر الطبيعية التي يشهدها العالم ولما لا التحكم فيها وتبقى كل من التجربة والفكر العقلاني لهما دور كبير في بناء النظرية وبواسطتهما يمكن بناء النظرية لكن العالم الحقيقي هو الدي يستفيد من كل الطرق لبناء نظريته فيعتمد على التجربة وعلى تفكيره العقلي فتكون بدلك نظريته أقوى ومتماسكة فحتى إن تم التشكيك فيها فإن صاحبها يقبل خضوعها للإختبار التجريبي بكل ثقة .